المشاركات

قلم مكسور، وعزيمة لا تهزم...

 قلم مكسور، وعزيمة لا تهزم على حواف الحلم، يمشي النور ما بين ضلوعه تضجّ رغبةٌ لا تهدأ، وفي طيّات عينيه تختبئُ قاراتٌ من الطموح لا يُحدّها يقين. ذاك الذي لا يلفتُ الأنظار، ولا يُشيع حوله ضجيجًا، لكنه إن خطا، يترك وراءه أثرًا لا يُمحى، كأن خطواته قد حُفرت في مسارات الزمن. طالب العلم... ليس كائنًا عابرًا في دفاتر الأيام، بل هو النص غير المقروء من كتاب الحضارات، السطر الذي إن فهمته الأمم، ارتقت، وإن أغفلته، هوت. يقال — وقد نُقِشت الكلمة كأنها نقشٌ على صخرٍ يعرفُ سرّ النار —: "أعينوا طالب العلم، ولو بقلمٍ مكسور." لا لشيءٍ سوى أن في داخله شرارةً، إذا لُمِسَت بلُطف، اشتعلت؛ لا لتحرق، بل لتُنير. هو لا ينتظر من الحياة كفًّا تُربّت على كتفه، ولا عينًا تصفّق له في آخر الطريق. هو يعرف وحده، أن طريقه محفوفٌ بالصمت، وأن المجد لا يهبط، بل يُنتزع. لكنّه — ومع ذلك — يواصل، لأن في دمه يسرحُ الإصرار، وفي قلبه تستقرّ إرادةٌ لا تكلّ، صلبة كجذر شجرة في مواجهة الإعصار. قد تتكسّر الأقلام، وتتبعثر الأوراق، وتتقطّع السبل، ويبقى هو، بقلبٍ يضخّ يقينًا، وروحٍ تعجنُ من المستحيل خبزًا للفجر. إنه لا يُريد ش...

من هو الكاتب؟!

 من هو الكاتب؟! الكاتب، في جوهره، ليس مجرد صانع كلمات، ولا تاجر حروف يرصّها على السطور كما تُرصّ الحجارة في بناءٍ خاوٍ من الروح. بل هو روح متوهجة بالحس، عقل يغوص في أعماق الحياة، وقلب يلتقط ارتعاشات الوجود الخفية ليترجمها إلى نبض مكتوب. الكاتب هو مرآة الإنسانية حين تغشى وجهها الضبابات، وهو البوصلة حين تضيع الطرق، وهو الجرح النازف بالحقيقة حين تتواطأ الكلمات على التزييف. ليس كل من خطَّ جملة يُدعى كاتبًا، كما أنّ كل من حمل معولاً لا يُدعى نحاتًا. فالكتابة ليست صنعةً ميكانيكية، بل هبة مشوبة بالألم، ومسؤولية تتطلب أن يغمس الكاتب قلمه في مداد التجربة، ودم القلب، وعرق الروح. الكاتب الحقيقي لا يكتب ليُعجب، بل ليكشف. لا يكتب ليمتدح، بل لينكأ. هو ذاك الكائن القلق دائمًا، الذي يرى في كل لحظةٍ عادية بذور قصةٍ عظيمة، وفي كل نظرةٍ عابرة عمقًا يستحق التأمل. لا يكتب لأنه يملك الإجابات، بل لأنه لا يكفّ عن الأسئلة. الكاتب الحق لا يطلب التصفيق، بل يسعى إلى تحريك الساكن، وإثارة الدهشة، وإزاحة الغبار عن زوايا الوعي الإنساني. إنه المتمرد الأنيق، الذي يصافح القارئ بكلماتٍ لينة، لكنه يزرع فيها شوك الإدرا...

في حضرة اللغة..

 في حضرة اللغة: تأملات في فجر النطق الإنساني في ركنٍ من أركان عزلتي، حيث السكون سيد اللحظة، وحيث يلتقي الخيال بالدهشة، كثيرًا ما يطرق ذهني سؤال قديم متجدد، كأنه يسكنني منذ الأزل: كيف بدأ الإنسان يهمس بالعالم؟ كيف تفتّحت زهرة اللغة الأولى على لسانه، وانبجس من صمته صوتٌ صار فيما بعد نهرًا من كلمات لا ينضب؟ اللغة... هذا الإعجاز الإنساني العصيّ على التفسير التام، ذلك الجسر الذي عبرت عليه الحضارات من غياهب البدائية إلى مجد التمدّن، كيف بدأت؟ ومن أين انبثقت؟ هل وُلدت فجأة من فم رجل بدائي صرخ خوفًا أو فرحًا؟ أم أنها تسللت ببطء من حناجر الأوائل، نغمةً إثر نغمة، حتى غدت أبجديةً وسجلاً وصوتًا يحمل ذاكرة الإنسان إلى ما بعد موته؟ أتساءل، وكل حرف في جسدي يهتز بدهشة الباحث: ما أول لغة نطق بها الإنسان؟ أكانت السومرية التي دوَّن بها العراقي القديم أسطورته على ألواح الطين؟ أم الأكادية التي نقش بها ملوك بابل مراسيمهم؟ أم لعلها لغة لم تُدوَّن قط، فابتلعها النسيان كما يبتلع البحر أثر الخطى على الرمل؟ تنهض أمامي صورةٌ خيالية لرجل بدائي، واقفٍ أمام نارٍ مشتعلة، يحاول أن يسمّيها. لعلّه قال "نار" بل...

اللغة التي لا تموت...

 اللغة التي لا تموت... ثمة نمطٌ غريب أخذ يتكرر في مجتمعاتنا، حيث يخرج علينا من يكتفي بقراءة سطر، ثم يعلن موت الكتاب. من يخطئ في نطق الجملة، ثم يعلن فساد اللغة. من يعجز عن التعبير، ثم يجلد اللسان الذي عجز به. صار من المألوف أن نسمع من يُنظّر بأن اللغة العربية عاجزة، مترهلة، قديمة، لا تسع العصر، لا تطاوع الإحساس، ولا تعبّر عن الحنين أو الشوق كما تفعل لغةٌ أجنبية. يُقال هذا لا عن دراسة، ولا عن تمكُّن، بل يُقال بأعلى نبرة من ضميرٍ كسول لم يحاول يومًا أن يُصغي للكنوز التي بين يديه. يا لسخرية الموقف...! الذي لم يعرف من العربية سوى المقررات الدراسية الجافة، ولم يعانق قصائدها، ولا مرّ على حكاياتها، ولا خاض غمار نصوصها العذبة، يتجرأ على إعلان إفلاسها! كأن الأعمى يصِفُ الألوان، أو كأن الغريق يُخبرنا عن ضيق البحر! اللغة العربية لم تكن يومًا عاجزة، لكنها كانت وما زالت ضحية لمتكلمٍ خائف، لم يجرؤ على استكشافها. هي لغة الأنبياء، والفقهاء، والفلاسفة، والعشاق. لغة من قال: ولستُ على الأعقاب تدمى كلومُها، ولكن على أقدامها تُتقطّعُ. ولغة من قال: أحنّ إليكِ... فأين الزمان؟ وأين المكان؟ وأين القصائد؟ هل...