من هو الكاتب؟!
من هو الكاتب؟!
الكاتب، في جوهره، ليس مجرد صانع كلمات، ولا تاجر حروف يرصّها على السطور كما تُرصّ الحجارة في بناءٍ خاوٍ من الروح. بل هو روح متوهجة بالحس، عقل يغوص في أعماق الحياة، وقلب يلتقط ارتعاشات الوجود الخفية ليترجمها إلى نبض مكتوب. الكاتب هو مرآة الإنسانية حين تغشى وجهها الضبابات، وهو البوصلة حين تضيع الطرق، وهو الجرح النازف بالحقيقة حين تتواطأ الكلمات على التزييف.
ليس كل من خطَّ جملة يُدعى كاتبًا، كما أنّ كل من حمل معولاً لا يُدعى نحاتًا. فالكتابة ليست صنعةً ميكانيكية، بل هبة مشوبة بالألم، ومسؤولية تتطلب أن يغمس الكاتب قلمه في مداد التجربة، ودم القلب، وعرق الروح.
الكاتب الحقيقي لا يكتب ليُعجب، بل ليكشف. لا يكتب ليمتدح، بل لينكأ. هو ذاك الكائن القلق دائمًا، الذي يرى في كل لحظةٍ عادية بذور قصةٍ عظيمة، وفي كل نظرةٍ عابرة عمقًا يستحق التأمل. لا يكتب لأنه يملك الإجابات، بل لأنه لا يكفّ عن الأسئلة.
الكاتب الحق لا يطلب التصفيق، بل يسعى إلى تحريك الساكن، وإثارة الدهشة، وإزاحة الغبار عن زوايا الوعي الإنساني. إنه المتمرد الأنيق، الذي يصافح القارئ بكلماتٍ لينة، لكنه يزرع فيها شوك الإدراك. لا يجامل الواقع، بل يعريه. لا يخاف من أن يكون صوته نشازًا في جوقة التكرار، لأن الحقيقة غالبًا ما تبدأ بصوتٍ منفرد.
وما من كاتبٍ عظيم إلا وكان قارئًا نهمًا، متصالحًا مع العزلة، متآلفًا مع صمته، ومفتونًا بالحرف كمن يفتن بالمطر الأول بعد صيفٍ طويل. فهو لا يرى في اللغة وسيلةً للتفاهم فحسب، بل يراها كيانًا حيًا، له روحٌ وإيقاع، وجمالٌ خفي لا يُدركه إلا من عاش عمرًا كاملًا في بلاطها.
الكاتب، في نهاية المطاف، هو ذلك الذي يُخلّد اللحظة الهاربة، يُنطق الصمت، ويُبعث الحياة في السطور. هو شاهدٌ على الزمن، وصائغٌ للحقيقة، وسادنٌ لجمالٍ لا يُدركه إلا من ذاق مرارة الحياة، ثم عاد ليكتب عنها بنبلٍ وسكينة...🤍
عدنان الورشي
تعليقات
إرسال تعليق